تيبازة إمبراطورية رومانية بلمسة عربية
مدرج ضمن السياحة في الجزائر, القبر الملكي الموريتاني, تيبازة, مدينة رومانية
تيبازة .. مسرح روماني يستلقي على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، وهي متحف متحرك يزاوج بين الحضارة والطبيعة.. ومدينة وفية لماضيها العريق الذي يرجع إلى آلاف السنين، وتفتح صفحاتها لزوارها لتروي لهم بقايا الآثار والحكايات المثيرة للحضارة الفينيقية والرومانية القديمة التي مرت عليها. وقد تم تصنيفها ضمن أملاك التراث العالمي المهددة.
تيبازة..أسسها الفينيقيون كإحدى مستعمراتهم التجارية العديدة حيث كانت لها مكانة مرموقة، ومعنى تيباسا في اللغة الفينيقية (الممر) لأنها كانت معبراً و ممراً للناس بين مدينتي إيكوزيم (شرشال إحدى مدن تيبازة) وإيول (الجزائر العاصمة).
ثم أصبحت تعرف بقرطاجية، و قد أكتشف بتيباسا مستعمرة فينيقية تعود للقرن الـ 5 ق.م.وعندما جاء الرومان حولوها إلى مستعمرة تتبع لاتيوم، ثم تحولت إلى مستعمرة تتبع روما في عهد الإمبراطور كلاوديوس (41-54م).كانت لتيباسا مكانة تجارية معتبرة خصوصا في عهد أباطرة القرنين الثاني والثالث الميلاديين، ولكنها لم تتميز بالفن أو بالتعليم. وفي القرن الثالث الميلادي كانت تيباسا من مقرات الأساقفة المسيحيين، و قامت القديسة سالسا برمي رأس تمثال الإله الزائف إلى البحر، عندئذ قامت الجماهير الوثنية الغاضبة برجمها بالحجارة لتموت.
وبأعجوبة كما تذكر الروايات عاد جسدها من البحر و دفن على التلة فوق الميناء في كنيسة صغيرة والتي أصبحت لاحقا البازيليكا الضخمة. كان أن المدينة شهدت توسعاً كبيراً، حيث وصل عدد سكانها في نهاية القرن الرابع الميلادي إلى 20 ألف شخص.
رمال ذهبية وغابات خضراء
بمجرد أن تزور المدينة الواقعة على بعد 50 كيلومتر غرب العاصمة الجزائرية تأخذك في رحلة عبر الزمان لتجول بك في أحد أهم المعالم السياحية بالجزائر، وترسم بمخيلتك صورة طبيعية وجميلة، حيث تستقبلك بنسمة من الهواء البارد تلامس وجنتيك لتمنحك الانتعاش، وتحسسك بروعة المناخ المعتدل للبحر الأبيض المتوسط وجمال الطبيعة الخضراء التي تزين حافة البحر.. وتمتعك بالتجول بين مختلف الأماكن السياحية المتطورة من فنادق فخمة و قرى سياحية و مطاعم فاخرة.
وأول محطة يتوقف عندها الزوار هي المدينة الرومانية المبنية فوق ثلاثة تلال صغيرة متقابلة مطلة على البحر، وقد كانت محاطة بسور عظيم و37 مركز مراقبة استعملها الرومان لحراسة المدينة التي كان جمالها وموقعها الجغرافي المتميز محل أطماع الكثيرين .. ومع مرور السنين دمرت العوامل الطبيعية هذا السور العظيم و نحتت الرياح البنايات لتحولها إلى تحف فنية رغم غرق جزء منها تحت البحر..لكن الآن تحتفظ المدينة بأطلال الماضي من بقايا القصور والمسرح والتي تستقطب كاميرات كم هائل من السياح لتروي لهم روعة الحياة اليومية في عهد الاحتلال الروماني للمنطقة.
الجولة الثانية من الرحلة تنقلك إلى القبر الملكي الموريتاني أحد المعالم التاريخية التي تشهد على عبقرية الإنسان في فن العمارة.. وهو عبارة عن نصب هندسي جميل يعكس الذوق الرفيع للإنسان القديم ، ويقع هذا الصرح على رأس ربوة بالساحل يعلو عن سطح البحر بمقدار 261 متر يهتدي به الصيادون في تنقلاتهم البحرية، و يوجد أمام بابه آثار بناية يبلغ طولها 16 متراً و عرضها ستة أمتار كانت في الماضي معبداً.
ويتكون القبر من أربعة صفائح حجرية عبارة عن أبواب وهمية يحيط بها إطار بارز من النقوش يتراءى منها رسم شبيه بالصليب.. والمثير في الأمر حكاية بناء هذا النصب التذكاري حيث ترجع بعض المؤلفات الرومانية القديمة بناء القصر إلى 40 عام بعد الميلاد أي عهد استيلاء الرومان على مملكة موريطانيا وهي كلمة كانت تطلق على المغرب الأوسط والمغرب الأقصى في العصر القديم .. تقول الروايات أن هذا القبر هو مهر زواج الملك يوبا الثاني من كليوباترا سيليني ابنه كليوباترا ملكة مصر .. وقد وقع في غرامها عندما التقاها بروما خلال سفره إلى العاصمة الرومانية ليكمل تعليمه، وطلبت منه بناء قصر يشبه أهرامات أجدادها بمصر. و بعد وفاتها دفنت فيه الملكة مع مجوهراتها، ولحد الآن هناك من لديه أمل في إيجاد كنز كليوباترا.
يختار السياح القادمون إلى مدينة تيبازة الإقامة بمنتجع القرن الذهبي المتكون من شاليهات صغيرة ملونة بالأزرق و الأبيض حيث يقودهم إلى عالم الأحلام أكثر من الواقع .. ويجد الباحثون عن الرفاهية والاستجمام ضالتهم فيه لاسيما لحظة استمتاعهم بمنظر المنتجع الخلاب وسط الغابات والمياه الزرقاء وهو المكان الأنسب للاستلقاء.
ويتسنى لهم رؤية الطبيعة في أبهى صورها ليقضوا فترة نقاهة تنسيهم عبء الحياة العملية و ضجيج المدن ..كما تحتضن القرية السياحية أهم النشاطات الفنية والترفيهية من حفلات أغنية الراي المشهورة بالجزائر التي يستمتع بإيقاعاتها الأجانب رغم جهلهم لمعاني كلماتها ..بينما يفضل معظم عرسان المنطقة هذا المنتجع لقضاء ليلة العمر.
سحر البحر المتوسط
الزائر لمدينة تيبازة لا يمكنه أن يغادر دون أن يتذوق أشهى أنواع السمك الطازج للبحر الأبيض المتوسط .. ومن أشهر المطاعم مطعم أبي نواس وسط المدينة الذي يتفنن طباخوه في تحضير مختلف أطباق السمك الشهية حتى أن أغلب السفراء الأجانب والمقيمين بالعاصمة الجزائرية لا يفوتون فرصة عطلة نهاية الأسبوع ليتذوقوا أشهى هذه الأطباق. .. فضلا عن طبق البايلا الأسباني الأصل والمكون من الأرز و فواكه البحر و اللحم والدجاج.
وبعد الأكل يتنقلون مشياً على الأقدام إلى الميناء السياحي وسط المدينة قاطعين مسافة 2 كيلومتر .. مفضلين أكل المثلجات على الهواء الطلق وهم يتفرجون على السفن و قوارب الصيد الصغيرة المحاطة بأسوار قديمة ترجع للعهد الروماني.
تعتبر شواطئ مدينة تيبازة من أجمل الشواطئ التي يزخر بها الساحل الجزائري الممتد على 1200 كيلومتر حيث يحتار الزوار في اختيار نوع الشاطئ للسباحة والاستجمام .. فتجد السياح يهرعون إلى الشواطئ الرملية المحاطة بالغابات بينما سكان المدينة يفضلون الشواطئ الصخرية التي يرونها المكان المناسب والهادئ لإبراز قدراتهم الفنية في السباحة والغوص.
تضم المدينة 5 موانئ صيد ويتشكل أسطولها الخاص بالصيد البحري من 550 وحدة بحرية و5182 صياداً، بينما يقدر معدل إنتاجها السنوي من الموارد السمكية حاليا بـ14 ألف طن، ويرتقب أن يتضاعف أيضاً خلال سنة 2009، مع بداية النشاط في الموانئ الثلاثة في شكلها الجديد. حيث سيرتفع حجم إنتاج ميناء قوراية من 11 ألف طن حاليا إلى 26 ألف، بينما يرتقب أن ينتقل إنتاج هذه الموارد من 5 ألاف طن إلى 12 ألف طن بميناء شرشال، ومن 45 طن إلى 400 طن بميناء تيبازة.
إلهام المبدعين
الفيلسوف والمفكر الجزائري الأصل ألبير كامو عشق هذه المدينة الرومانية، وكان يكتب روائعه الأدبية علي أحد صخورها المطلة على البحر المتوسط، أمام جبل شنوة، الذي يشبه جسد المرأة الحامل المضطجعة علي ظهرها، وقد تكلم عن سحرها كثيراً في كتاباته.
بقلم آمال باجي
—-
المصدر
مصادر الصور مرفقة بعناوينها، إضغط على الصورة فقط لتذهب إلى مصدرها الأصلي.