مدرج ضمن السياحة في تلمسان, تلمسان
بوماريا الرومان هي أندلس العالم الإسلامي
بوماريا، الكلمة اللاتينية التي تعني البساتين، جوهرة المغرب العربي أو أغادير، الوصف أو الاسم الذي يعني إشعاعها وجمالها وثقل تاريخها وقوة تأثيرها.. أسماء متعددة لمدينة واحدة، اسمها الآن تلمسان، روعتها جعلت عشاقها يكتبون : لو كان للمدن توائم لكانت تلمسان توأم الأندلس، و هذا ما يخلص إليه كل زائر لجوهرة المغرب العربي التي زاوجت بين الأصالة والحداثة فاستحضرت روح التاريخ وعبقه بين ثنايا المعالم الشامخة من شرق أبوابها إلى غرب أسوارها، وهي تخطو نحو المستقبل في كنف جزائر الألفية الجديدة.
تقع ولاية تلمسان شمال غرب الجزائر، وهي ثاني مدينة من حيث الأهمية بعد وهران، تطل شمالا على حوض البحر الأبيض المتوسط بساحل خلاّب وتحدها جنوبا ولاية النعامة وشرقا ولايتي عين تموشنت وسيدي بلعباس، وغربا المغرب الأقصى.
فهي ذات طبيعة متوسطية شمالا وسهبية جنوبا، وبينهما تتربع على سلسلة جبلية تزخر بثروة غابية، تعتبر الحظيرة الوطنية واحدة من محمياتها الرائعة، كما يمتد سهل فلاحي من شرقها إلى غربها يعد مصدر إنتاجها الفلاحي.
بلغ عدد سكانها في سنة 2010 مليون ون صف مليون ن سمة، أي ما يعادل كثافة 8,6 ن/كم ². بينما تبلغ مساحتها 9100 كم ²وتنقسم إداريا ولاية تلمسان إلى 20 دائرة و 53بلدية، وهي تزخر بالمعالم السياحية مثل مغارات عين فزة، المنصورة وندرومة، ميناء هنين، ومساجد بني سنوس التي تعود للعهد المرابطي، وكذا شريط ساحلي تصنع روعته مدينة مرسى بن مهيدي التي تستقبل ملايين المصطافين سنويا.
جولة في تاريخ عريق
الحديث عن تلم سان يبدأ من التاريخ القديم لمرحلة ما قبل الفتوحات، أي إلى ما قبل القرن الثالث للميلادي، و هي الفترة التي عرفت دخول الرومان إليها، ومن الصعب الاعتقاد أن هذه المدينة الإستراتيجية لم تكن من المدن القوية في موريتانيا القيصرية وإمبراطورية صيفاق س ومسينيسا ويوغرطا حيث كانت جزءا من المقاومة الأمازيغية للغزو الروماني بعد سقوط دولة صيفاقس.
وبعد الفتوحات الإسلامية عرفت تلمسان ظهور دولة بني يفرن، وفي منتصف رجب 173 ه/ 789 م، قدّم صاحب أغادير البيعة للملك الجديد إدريس الأول دون أي قتال، فكان حكم الأدارسة طيلة القرن التاسع الميلادي، كما عرفت حصار المرابطين الذين فتحوها عام 1079 م بزعامة يوسف بن أبي تاشفين وبنوا فيها ضاحية تاغرارت، والموحدين الذين دام حكمهم 40 سنة بعدما فتحها عبد المومن بن علي الكومي على إثر حصار عام 1143 م، ثم بني عبد الواد الذين دام حكمهم ثلاثة قرون بدءا من القرن الثالث عشر الميلادي إلى نهاية القرن الخامس عشرالميلادي، هؤلاء الذين خلدوا وجودهم بتراث فكري ومادي زاخر إلى أن ضعفت خلافتهم بفعل التدخلات الإسبانية في شؤون القصر بالمشور، فكانت من نصيب العثمانيين عندما دخل عروج تلمسان في سبتمبر1517 م، واستحوذ على الملك فيها، وقبل هذه المرحلة عاشت تلمسان حصارا قاده المرينيون عام 1299 م ولم يُرفع إلا بموت السلطان المريني أبي يعقوب بعد سبع سنوات.
في سنة 1842 دخل الاستعمار الفرنسي إلى تلمسان، حيث شرعت السلطات الاستعمارية في تغيير خريطة شوارع المدينة وأزقتها، ثم قامت الإدارة الفرنسية بهدم المدرسة التاشفينية الشهيرة سنة 1872 م، والمدر ة اليعقوبية، وفي هذه الفترة عرفت تلمسان تفاعلا سياسيا صنعت الحركة الوطنية أمجاده بقيادة الزعيم مصالي الحاج ابن تلمسان الذي قاد النضال الوطني في الجزائر والمغرب العربي، ومع اشتعال فتيل الحرب التحريرية كانت تلمسان قد تأهبت للحدث العظيم فدفعت خيرة أبنائها قربانا للحرية..
ورغم تاريخ طويل من الاستعمارات المتعاقبة فإن آثار المدينة ظلت شامخة شموخ تاريخها، وخضع 99 معلما تاريخيا العام الماضي للترميم وفق القواعد العلمية المتعارف عليها لدى علماء الآثار، بدءا بأبواب المدينة التاريخية وقصر السلطان ومقر قيادته بالمشور إلى مساجد المدينة وأبرزها المسجد العتيق ومسجد سيدي لحسن وسيدي الحلوي وسيدي بومدين.
سيدي بومدين، مصالي، ولطفي..
أسماء في الذاكرة
مطار مصالي الحاج، هو ليس مدرج هبوط للطائرات التي تقل المسافرين نحو تلمسان من داخل الوطن وخارجه فحسب، إنه واحد من معالم تلمسان التي تحفظ ذكرى أبنائها، ومصالي الحاج رائد الحركة الوطنية يحظى باهتمام بالغ لدى سكان المدينة، تماما مثلما تحفظ المدينة الكثير لأبنائها من كوكبة الشهداء، إلى ذخائر العلماء ورجال السياسة والفكر والأدب والفن، وإذا تصفّحنا قائمة الماضي والحاضر فان المقام لا يتسع لتدوين الأسماء كلها، هذا الزخم الهائل من أكابر العلماء دفع ابن مريم التلمساني إلى تأليف كتاب البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان.
تلمسان أيضا مدينة العلامة سيدي بومدين الغوث الذي يرقد في أعاليها كسلطان تدين له بكل الولاء، ولا تزال مدارسها تحافظ في معظمها على رونقها وهندستها المعمارية العتيقة، ومؤسساتها التعليمية تحمل أسماء أعلامها كابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الذي كتب الكثير عنها، ومن المقري إلى يغمراسن تطول القائمة، وفي تاريخ أبطال الثورة التحريرية تحمل تلمسان في شوارعها ومؤسساتها أسماء كبارها نساء ورجالا، فهي تخلد الشهيدة مليحة حميدو، والشهيد الدكتور بن زرجب، وفراج ولطفي وغيرهم.
وفي حاضرها لازالت المدينة تذكر الرئيس الأسبق السيد أحمد بن بلة والرئيس الحالي السيد عبد العزيز بوتفليقة، تماما مثلما تذكر كوكبة من الأدباء والفنانين بدءا من محمد ديب ومرورا بعمار بلحسن، وفي الفن تزخر تلمسان بتاريخ حافل يحافظ على أصول الغناء الأندلسي وهنا نقرأ أسماء الشيخ العربي بن صاري والشيخة طيطما، عبد الكريم دالي والشيخ الغافور.
تزخر تلمسان بإرث شهير في الصناعة التقليدية يعكسه اهتمام سكان مدينة ندرومة والمدينة القديمة وسط عاصمة الولاية، ولهذا الغرض تم إنشاء المعهد الوطني المتخصص في الصناعات التقليدية بإمامة، الذي يسعى لإعادة بعث النشاط في هذا القطاع الذي ظل مصدر فخر لتلمسان عبر العصور في صناعة الزرابي والملابس التقليدية والأواني النحاسية.
تلمسان اليوم.. نهضة تشرق
تتمتع تلمسان اليوم بنهضة تنموية شاملة حيث توسعت جغرافيتها الحضرية نحو هضبة لالا ستي جنوبا، إذ تحولت إلى قطب سياحي يضم مجموعة من المنشآت السياحية والفندقية التي تجلب آلاف الزوار يوميا، أما شمالا فتوسعت نحو منطقتي أوجليدة وبوجليدة وغربا نحو منطقة بوهناق بآلاف الوحدات السكنية.
وعلى مدار العقد الأخير من الألفية الجديدة، ركزت مخططات التنمية بتلمسان على شتى المجالات الهامة كالتعليم العالي والبحث العلمي، فقد فتحت جامعة أبو بكربلقايد أبوابها على آفاق جديدة بعدما اتسعت لقطبين جامعيين من الطراز العالي بيداغوجيا ومعماريا، أما البنية التحتية فاستفادت من استثمارات كبرى في مجالات الري والتزود بالمياه الصالحة للشرب والسقي الفلاحي وتحلية مياه البحر التي بلغت استثماراتها نحو 500 مليون دولار، كما عرف الجانب الأمني تعميما للشرطة الجوارية التي ساهمت في بسط الأمن والأمان على الجوهرة تلمسان.
بقلم: عبد السلام بارودي
المصدر: مجلة الجوهرة، نشرية شهرية لتلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية 2011
مصادر الصور مرفقة بعناوينها، إضغط على الصورة فقط لتذهب إلى مصدرها الأصلي.