تونس: مواجهات عنيفة بين قوات الأمن ومتظاهرين في ذكرى عيد الشهداء

في مشاهد لا تبتعد كثيرا عن الأيام التي سبقت الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، شهدت شوارع تونس العاصمة وخاصة القريبة من شارع الحبيب بورقيبة مواجهات عنيفة بين قوات الأمن ومتظاهرين.
وفرقت قوات الأمن التونسية أمس بعنف مئات المتظاهرين في شارع الحبيب بورقيبة الذي حظرت فيه التجمعات، مستخدمة الغاز المسيل للدموع والهراوات والعصي الكهربائية، وهو ما دفع بالمتظاهرين إلى الفرار إلى شوارع فرعية ومحلات تجارية. وكان المتظاهرون يريدون التظاهر في ذكرى يوم الشهداء، والاحتجاج على منع التجمعات في الشارع منذ 28 مارس (آذار) الماضي.
وهتف المتظاهرون الذين التفوا بالعلم التونسي «لا نخاف والشعب هنا»، ورددوا شعارات من قبيل «أوفياء أوفياء.. لدماء الشهداء»، و«وزارة الداخلية.. وزارة إرهابية»، وهو نفس الشعار الذي رفعه المتظاهرون قبل أيام من الإطاحة بنظام بن علي. وكان المتظاهرون قد بدأوا بالتوافد إلى شارع بورقيبة قرابة الساعة العاشرة صباحا بالتوقيت المحلي، وسط أجواء شديدة التوتر. واندلعت مواجهات عنيفة بين الطرفين مما أدى إلى اختناق البعض منهم بالغازات حيث تم نقل البعض منهم إلى المستشفيات القريبة، بينما انتشرت جموع أخرى من بين المتظاهرين في الأنهج القريبة من شارع بورقيبة، ودخلوا في عملية كر وفر مع قوات الأمن.
وقال خالد طروش، الناطق باسم وزارة الداخلية، إن الوزارة لم تمنح أي ترخيص لأي مسيرة بشارع الحبيب بورقيبة، وإن القانون «واضح وهو فوق الجميع»، وذلك في إشارة إلى أن منع المسيرة التي دعا لها المجتمع المدني ساري المفعول، وأن الوزارة لن تسمح بصفة استثنائية بعودة التظاهر إلى وسط العاصمة. وكانت وزارة الداخلية قد منعت يوم السبت الماضي مسيرة سلمية مماثلة نظمها اتحاد العاطلين عن العمل، وفرقتهم بالقوة.
وتأكيدا لتوجه المنع الذي أقرته الوزارة، انهالت قوات مكافحة الشغب على بعض المتظاهرين بالعصي وأشبعتهم ضربا أمام ذهول المارة، وألقت القبض على البعض منهم. وتحولت الشوارع والزقاق المحاذية لشارع بورقيبة إلى ساحة مواجهة حقيقية استعمل المتظاهرون خلالها الحجارة في مشهد أعاد إلى الأذهان أيام المواجهات الأخيرة مع نظام الرئيس بن علي فيما تناثرت سحب الغازات المسيلة للدموع في الفضاء مما أربك المواطنين، وجعل التجار وأصحاب المحلات يسارعون إلى إغلاق محلاتهم خوفا من عمليات النهب والسرقة التي قد تتعرض لها في ظل حالة الفوضى القائمة في الشارع. وفي نفس السياق، ذكرت مصادر أمنية مطلعة على ما يجري في وزارة الداخلية، أن السلفيين لم ينظموا منذ إقرار منع التظاهر بشارع بورقيبة نهاية الشهر الماضي أي مظاهرة فيما اعتبرته نفس المصادر التزاما ضمنيا بقرار المنع الذي اتخذته حكومة حمادي الجبالي. وأحيت تونس أمس «يوم الشهداء» في ذكرى ضحايا القمع الدموي الذي قامت به قوات فرنسية إزاء مظاهرة في تونس يوم 9 أبريل (نيسان) 1938.
وقال سفيان الشورابي، رئيس جمعية الوعي السياسي لـ«الشرق الأوسط» إن ما حدث أمس مخجل بالفعل، مشيرا إلى أن المسيرة اتخذت طابعا سلميا، ورفع خلالها التونسيون الإعلام الوطنية دون سواها في استحضار ما حدث سنة 1938.
من جهته، قال اسكندر الرقيق، رئيس حزب الأمان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن ما حصل ينبئ بحالة تأزم ولا يبشر بخير، ويجعل الكثير من التونسيين يشككون في عملية الانتقال الديمقراطي بعد الثورة. وأضاف منتقدا الائتلاف الثلاثي الحاكم «كان على الحكومة أن تستثني الاحتفال بعيد الشهداء من قرار المنع حتى لا يتحول الاحتفال بالعيد المذكور إلى مواجهات مفتوحة بين أبناء نفس الشعب». على صعيد آخر، أعلنت مجموعة متخصصة في اختراق مواقع الإنترنت أول من أمس عن اختراق البريد الإلكتروني لعناصر من حركة النهضة الإسلامية التي تحكم البلاد من بينهم رئيس الحكومة الجبالي.
وقال شخص ملثم من مجموعة «انونيموس» في فيديو بث على شبكة الإنترنت «احتجاجا على ما يحدث في الأسابيع الأخيرة في تونس ومن بينه الصمت على العنف السلفي ضد الفنانين والعنف ضد العاطلين وجرحى الثورة.. قررنا نشر وثائق سرية تتضمن البريد الإلكتروني الشخصي وأرقام الهواتف والمعاملات المصرفية»