واذا كانت الكلمة – كما – اوضحنا – لها اهميتها فى الاعلام الاسلامى ، والدعوة الى الله – تعالى – فإن حواسا اخرى تستقبل الكلمة ، وتستقبل غيرها ، لها دور عظيم فىتلقى الاعلام الاسلامى ، وهذا ما نوضحه فيما يلى : استقبال المسلم للمادة الاعلامية يعتمدفى درجة كبيرة على حواسه التى يتلقى بها ، وعلى توظيفه الجيد لتلك الحواس ، فالسمع والبصر نافذتان يتعامل بهما قلب المرء فى العالم الخارجى ، ومؤثرة وعليها مسؤلية عظيمةفى ذلك يقول تعالى : {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) } 31 وقوله :{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) 32.
ودورهما الرقابى التنظيمى لتلك المؤثرات يتعاظم هذه الايام لكثرة ما يحيط بنا من مرئيات ومسموعات ، مما يراه المسلم ويصل الى اذنيه من صنوف اللهو والفحش واللغو ، فاذا ما مرت هذه الاشياء عبر الاذن او العين فانها تأخذ طريقها الى القلب ممباشرة وعندئذ قد يفسد صاحبه ، وقد يختم الله على قلبه لكثرة مداخلة المعاصى اليه ، وخاصة عندما لا ينكر قلبه هذه الموبقات ، بل يتألف معها ، ويستأنس بها ، حتى ران على قلبه { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} 33.
ويصاب القلب بالمرض والقسوة والحسرة والريبة وكل هذه المعانى عبر عنها القرآن الكريم باعتبارها مظاهر لفساد القلب وفى المقابل عبر عن صلاحه بالطهارة والتقوى والاطمئنان والتأليف والتثبيت والخشوع.
( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) .
وتتأكد بعد ذلك سيادةالقلب فى توجيه المرء ، فالقلب هو الملك ، والاعضاء جنوده ، وهو المضغة التى يتوقف عليها صلاح الجسد او فساده يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم : " ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهى القلب" 35.
والمتأمل فى المنهج الاسلامى يجد الحرص على نقاء البيئة المحيطة بالانسن منذ ولادته ليبقى استقباله طيبا نقيا - 36 – ونقاء البيئة يتبعه نقاء الرسالة او الرسائل التى تبث عن طريق السمع والبصر الى الفؤاد ، وحدوث عملية التكوين والتلقى يشارك السمع والبصر فيها بنصيب اعظم ، والمحصلة هى : المشاركة فى بناء القلب او هدمه ، وفى صحته او مرضه ، يقول الحق – سبحانه :{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) } 37 .
فمداخل الصلاح او الفساد الى القلب قد اضحت واضحة ومتأثرة بنقاء البيئة من عمل الشيطان او تلوثها به ، ولان هذه المداخل من السهل فك رموزها ، فقد ادرك اعداء الاسلام ان الكلمة ( السمع ) والصورة ( البصر ) عليهما دور عظيم فى افساد قلوب الامة وسمعها وبصرهاوتحولبينها وبين سبل بالهدى وذلك بالضرب على اوتار الشهوات والهاب الغرائز اكان ذلك بالكلمة المسموعة ام بالصورة المشاهدة وباغراق الامة فى الملذات وفنون العبث والمجون والخلاعة.
وهذا ما تفعله الاذاعات المضللة والمعادية وهذا كله يلوث البيئة المسلمة شكلا وموضوعا . ويحزن المرء عندما يجد ان البيئة المسلمة قد لوثت اعلاميا من داخلها وببيد ابنائها قبل وبعد ان غزيت من خارجها بالكلمة المسموعة والصورة المنحرفة المضللة.
سمات الاعلا م الاسلامى الذى نرجوه
ولمواجهة هذا الغزو القوى فلابد من وجود اعلام اسلامى مستنير يتعهد الطفل منذ ولادته وحتى مماته فلا خدش للحياء العام ولا انتهاك للاخلاق والاداب ولا نشر للادب المكشوف ولا اعاقة لعملية الانتاج ولا ملء لفراغ الناشئة باللهو.
فالخطاب الاعلامى الاسلامى يكون له مردود تعليمى ارشادى دفاعى يتصدى للغزو الثقافى ولملوثات الافكار والقيم ويجمع كلمة المسلمين ويرشد الصحوة الاسلامية القائمة فى انحاء العالم الاسلامى ويقدم ما يخدم الاسلام و المسلمين وينشر الدعوة الاسلامية ويبرز دور الحضارة الاسلامية فى مختلف فروع العلم والمعرفة فى اثراء الحضارة الانسانية ويبتعد عن مجالات الجدل ويعدل سلوك الجماهير ليتلاءم مع جوهر الاسلام ويقضى على المعتقات الباطلة بين البعض ويناقش القضايا الاسلامية المعاصرة ويصحح صورة الاسلام فى اذهان العالم ويواجه الحملات الاعلامية المضادة للاسلام ويعرف الرأى العام العالمى بموقف الاسلام من ذوى الاديان الاخرى.
كما انه يعرف بالعقيدة الاسلامية كعبادة ومنهاج حياة ويؤكد على القيم الاسلامية ويناقش احوال المسلمين ويذيع اخبارهم ويبرز دور الشخصيات الاسلامية فى جميع المجالات ويفند الدعايات الكاذبة والافتراءات المغرضة التى يشنها اعداء الاسلام ويقدم الحلول لمشكلات المسلمين ولا يخضع لسيطرة الاعلامالغربى ولا ينساق وراء الشعارات ولا يخدع بالاشاعات ولا يشغل بسفاسف الامور ولا بتوافه الاحداث والموضاعت 38 ومواصفات الخطاب الاعلامى الاسلامى التى عرضنا لها انفا مأخوذة من مضامين المنهج العام للاعلام والدعوة فى الاسلام الذى يمكن ايجازه فى : فى بساطةالدعوة ووضوحها المتمثل فى وضوح العقيدة وخلوها من التعقيدات وسهولة استيعابها وشرحها ومخاطبتها للفطرة الصحيحة . ويمكن ايجازه – ايضا – فىكونه يحترم العقل الانسانى ويقدر الفكر البشرى ويدعو الى التأمل والتدبر كما انه يقوم على العلم والحقائق اليقينية المبنية على العلم الصحيح ويقوم كذلك على التسامح الفكرى والتحلى بحسن الخلق واللين والاعراض عن اللغو فى الحديث.
------------------------------------------------------
الهوامش:
الكاتب عضو هيئة التدريس بكلية التربية جامعة طنطا
1- الكهف 56
2- الاحزاب 45-46
3- النحل 125
4- الحج 67
5 ابراهيم 24- 26
6 – الكهف 5
7- البقرة 83
8- الاسراء 28
9- الاحزاب 70
10 - النور15
11- الشعراء 266
12- الصف 2,3
13- الاسراء 53
14- الحجرات 12
15 – ق 18
16- الانفطار 10-12
17- حديث متفق عليه رواه ابو هريرة رضى الله عنه
18- اخرجه الامام البخارى عن ابو هريرة رضى الله عنه
19 رواه الترمذى وقال حديث صحيح
20 - رواه الترمذى وقال حديث حسن
21- رواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح
22- رواه ابوداود والترمذى عن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه
23- رواه ابوداود والترمذى عن ابى هريرةرضى اللهعنه
24- رواه الترمذى عن ابى مسعود رضى الله عنه
25 رواه البيهقى فى شعب الايمان من حديث ابى ذر الغفارى رضى الله عنه
26- اخرجه الامام احمد وابن المبارك فى الزهد والطبرانى فى الكبير وابو نعيم فى الحلية عن اسماء بنت زيد رضى الله عنها
27- يوسف108
28- العصر 3
29 المؤمنون 96
30 – النساء63
31- الاسراء 36
32- ق37
33- المطففين 14
34 الحديد
اشرنا فقط الى بعض مظاهر علة القلبوبعض مظاهر صحته دون ذكر شواهدها القرآنية لان هذا ليس مقصدنا هنا وجاءت الاشارة الى هذا الامر توفية لتناولنا لادوات الاستقبال عند المسلم وما يعتريها من تحولات.
35- متفق عليه عن النعمان بن بشير رضى الله عنهما
36 – لعل تصديق ذلك يتضح فى توجيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بان يكون الاذان للصلاة ثم الاقامة هما اول ما يطرق اذنى الكفل من مؤثرات صوتية بيئية خارجية ليطالع قلبه صوت الحق والرشاد والاطمئنان والسكينة
37- النحل 78
38- ليس بوسع منصف انكار دور الاذاعات الاسلامية المتخصصة فى البلدان العربية والاسلامية فى الحرص على ان يكون خطابها الاعلامى نابعا من الاسلام شكلا وموشوعا وعلى هذا فالاذاعات الاسلامية المسموعة لها دور لا ينكر فى الدعوة الاسلامية لكنه فى المقابل فاننا نرصد غياب الاذلعة الاسلامية المرئية من الساحة الاعلامية وثم توجهات معلنة الان بالدعوة الجادة الى اقامة قناة محطة اسلامية مرئية فى موةاجهة الغزو الثقافى نرجو ان تظهر فى واقعنا قريبا